"وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا
الجبال أبعد عن صخب الحياة، وأعون على الهدوء والخشوع، وأدعى إلى التأمل والصفاء وخلو الإنسان إلى نفسه وسماعه لصوت الضمير، وحنينه للتأمل الهادئ والذكر والتفكر، فهي محضن من محاضن طهارة الأرواح، ودار للعبادة والصفاء، وقد هبط الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء على جبل مرتفع، وتمت الهجرة من خلال غار ثور على ربوة جبل شاهق، وعلى جبال الطور والجليل وأبي قبيس هتفت أصوات الرسالات، ولأمر ما أهبط أدم على ربوة، وعرضت الأمانة على الجبال، وأرسيت سفينة نوح على الجودي، وقطعت على الجبال طيور إبراهيم عليه السلام، وسخرت الجبال لداود يسبحن معه، ونطق الجبل لموسى، وكان مأوى أهل الكهف، ولحكمة إلهية فإن نسك المسلمين في الحج حول الجبال، فهم يسعون بين الصفا والمروة، ويجتمعون في الوقوف على جبل عرفات.
وقد حفظ الله سبحانه وتعالى توازن الأرض بالجبال الراسية المستقرة، ولهذه الجبال أياد بيضاء في حفظ ماء الشتاء للصيف، وهي سبب الرطوبة الدائمة على وجه الأرض، ومن هذا التدبير عمارة الكون ووجود النبات والحيوان فيه.
ومن منافع الجبال أن الثلج يسقط عليها، فيبقى فيها لمن يحتاج إليه في القيظ، ويذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تتجمع منها الأنهار العظام، وتنبت منها ضروب من النباتات والعقاقير التي ينبت منها في السهول، ويكون فيها الكهوف وتتخذ فيها القلاع والحصون المنيعة، وتنحت منها الحجارة للبناء وفيها المعادن والجواهر.
وقد ربط القرآن الكريم بين رسو الجبال وكونها أوتاداً وبين الأبخرة والسحب ومجاري الأنهار، وانبثاق الينابيع وإدرار القوت والرزق وضمان المنافع، ومن عجيب الإعجاز أن هذه الحقائق قد ذكرت على لسان نبي أمي، وقد قرن القرآن الكريم بين الجبال والمياه، فإذا لم تذكر الأنهار مع الجبال ذكر ما يكون من آثارها من الخصب والنماء والوقت والرزق والمتاع يقول تعالى: “والجبال أرساها، متاعاً لكم ولأنعامكم” (النازعات: 32 33). “وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً” (الرعد: 3). “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون” (الرعد: 19). “وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون، وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم” (الأنبياء: 30 31). “أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي” (النمل: 61). “وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة” (لقمان: 10). “وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها” (فصلت: 10). “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج” (ق: 7). “وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتاً” (المرسلات: 27). “ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً” (النبأ: 6 7).
والجبال مظهر من مظاهر القدرة وآية النعمة وهي تسبح بحمد الله، وتدل على قدرته وحكمته يقول تعالى: “ولقد آتينا داوود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد” (سبأ: 10).
وتأتي هذه الآيات تحمل حشوداً من المعلومات العلمية والحقائق المتتابعة تتابعا علميا دقيقا أبهر العلماء والباحثين، إذ لم يكن يدركها الناس قبل اتساع مداركهم ومعلوماتهم عن هذا الكون
تشبيه علمي دقيق
وقد فطن بعض العلماء المفسرين إلى الإيحاءات العلمية لكلمة “رواسي” التي أخبر بها القرآن الكريم في مواضع كثيرة باعتبارها وصفا للجبال وعلاقاتها باتزان الأرض أثناء حركتها، فالواقع العلمي يشهد بأن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، ولابد أن تكون الجبال الرواسي من أهم عوامل اتزان الأرض وتماثل كتلتها على جانبي محور الدوران.
وقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم بلفظها في نحو تسع وعشرين آية وبوصفها أنها رواسي في نحو تسع آيات ومهمة الجبال في الأرض هي ترسيتها ومنعها من أن تميد بالناس فهي بجذورها المغروسة في باطن الأرض هي التي تحفظ توازن الأرض وتجعلها مستقرة، يستطيع البشر أن يعيشوا فوقها ويمارسوا أنشطتهم ويبنوا منازلهم ومنشآتهم ولولاها لظلت الأرض تميد بالناس وترتج بهم ذات اليمين وذات اليسار.
أما تشبيه الجبال بالأوتاد في القرآن الكريم ففيه إعجاز علمي رائع، وكشف العلم الحديث أن للجبال جذورا تمتد إلى الأغوار العميقة على عمق يصل إلى أكثر من 75 مترا، وغرس الجبال على هذا النحو في الطبقة اللزجة التي تحت طبقة الصخور هو الذي يثبت القارات ويمنعها من أن تطوف أثناء دوران الأرض، فهذه الأوتاد المغروسة تعمل على تثبيت القارات كما يثبت الوتد الخيمة في تراب الأرض، كذلك يعمل بروز الجبال على استقرار سطح الأرض، ولولا الجبال لتشققت الأرض وظهرت بها فجوات وفتحات كثيرة ولثارت البراكين، واضطربت الأرض اضطرابا عظيما وزلزلت زلزالا شديدا، فالجبال حافظة لما تحتها مانعة له من الاضطراب والزلزال والثوران.
وقد أفاض العلماء والمفسرون حول تشبيه الجبال بالأوتاد، هذا التشبيه البليغ الذي دل على أن الجبال من آيات الله في الخلق تماثله أمور يعرفها الناس في “الأوتاد” والوتد هو كتلة من الخشب تثبت بها أركان الخيمة إلى الأرض، أغلبها يكون مدفونا في الأرض، وأقلها يكون ظاهرا فوق السطح، ووجد العلماء أن امتداد الجبال أكبر في داخل الأرض من ارتفاعها فوق مستوى سطح البحر، ولم يجد العلماء المتخصصون وصفا أبلغ من لفظة “وتد” في هذا التشبيه العلمي الدقيق فالجبل وتد حقيقي ووظيفته التثبيت.
ومن أوجه الإعجاز العلمي في آيات الجبال ما يتعلق بنشأتها وتكوينها وسبب اختلاف ألوانها الذي يعود إلى اختلاف المواد التي تكون صخورها، فالجبال البيضاء تتكون أساسا من الطباشير والحجر الجيري، والجبال السوداء يكثر فيها المنجنيز والفحم، والجبال الحمراء غنية بالحديد، وغير ذلك من الجبال النارية تتكون من الجرانيت والبازلت وتحتوي على عروق الحديد والنحاس والذهب ومعادن أخرى تؤدي إلى تعدد ألوان الجبال وأنواعها، ومن دلائل القدرة الإلهية التباين في أحوال الجبال وألونها وأنواعها رغم أنها ترجع أصلا إلى أرض واحدة.
والجبال بجانب أنها الرواسي التي تحفظ توازن الأرض فهي في الوقت نفسه مصدات، تصد الرياح المحملة ببخار الماء فيصعد إلى أعلى فيبرد ويتكاتف فينزل إلى الأرض في صورة الأمطار، ومن الأمطار الغزيرة تتولد الأنهار، ومن هنا لاحظ العلماء أن ذكر الأنهار بعد الرواسي ليس مجرد تعديد لآيات قدرة الله في الكون، وإنما هناك ترابط علمي بينهما.
حركة الجبال
أما قول الله تعالى: “وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون” (النمل: 88) إنما يشير إلى أحد النواميس والسنن والقوانين التي خلقها الله تبارك وتعالى على أعلى درجة من الإتقان، وتلفت أنظار الناس إلى التفكير فيها والتأمل في صنعها وقدرة الله عليها، وتأمر بالنظر إلى الجبال كمعجزة من معجزات الخلق في هذا الكوكب الأرضي، فحركتها ليست حركة ذاتية، وإنما هي حركة تابعة لحركة أكبر هي حركة الأرض كاملة، والجبال أبرز ما على سطح الأرض، وكما أن السحاب لا يتحرك بذاته، بل بحركة وقوة دفع الرياح له، فهكذا الجبال تتحرك بحركة الأرض وهو تشبيه بليغ.
وتشبيه حركة الجبال بحركة السحاب تشبيه علمي لأن السحاب عبارة عن كتل ضخمة من بخار الماء، محمول بهواء متحرك هو الرياح، أي أن السحاب لا يتحرك حركة ذاتية، بل يتحرك حركة مكتسبة من الرياح، والجبال هي الأخرى مكونات أرضية تتحرك بحركة الأرض في الفضاء وهي محمولة على الأرض وتتحرك بحركاتها، تماما مثلما أن السحاب يتحرك محمولا على متن الرياح، ولا يستطيع المرء أن يفهم هذا التشبيه إلا إذا علم يقيناً أن الأرض تتحرك وتدور.
وتوافق حقائق العلم الحديث بعض معاني هذه الآية الكريمة في أن حركة الجبال التي يظنها الإنسان الناظر إليها ثابتة راسية، يمكن فهمها في إطار حركة الأرض وسياحتها في فلكها حول نفسها وحول الشمس وفي الفضاء الكوني الفسيح.
ويمكن فهم حركة الجبال بنوع آخر من الحركة عن طريق تعريتها وتغيير صخورها، ذلك أن الصخور تدور مع الزمن وتتحول من نوع إلى آخر.
تحسبها جامدة
وهكذا يكون ثبات الجبال وجمودها من الأمور غير الحقيقية أي مما يقع في دائرة الظن، ولذلك جاءت اللفظة القرآنية “تحسبها” في التعبير القرآني المعجز لتلائم المستوى العلمي للمسلمين وقت نزول القرآن، فالكل يرى الجبال ثابتة مستقرة ولا يرى لها حركة مطلقا، فلم يثبت أن أحدهم علم بحركة جبل من مكان إلى آخر كما تتيح الكلمة الفرصة لفهم أعمق يتسع لمعنى حركة الجبال بالفعل كما أكدها العلم الحديث.
ومن لطائف التعبير القرآني أيضا أنه قال: “وترى الجبال” ولم يقل “وترى الأرض” لأن الأرض لا يراها الإنسان وهي تمر إلا إذا خرج منها ونظر إليها من الفضاء الخارجي، وقد تحقق له ذلك بعد اختراع سفن الفضاء حديثا، وإنما جاءت “وترى الجبال” لأن الجبال مما يقع في مجال رؤية الإنسان وكشف العلم الحديث عن معنى عظيم لم يعرفه الناس إلا بعد مشوار طويل من البحث عبر مئات السنين.
وهكذا فإن الجبال كما تتكون أي تولد في الأرض وعليها فإنها مثل كل كائن حي، تموت أيضا وينتهي عمرها وتتوقف عن الحركة تماما، أو ينسفها ربنا تبارك وتعالى نسفاً، كلها من أعلاها إلى أسفلها، وكلها من أولها إلى آخرها.
آيات بهرت العلماء بما حوته من إعجاز علمي وحقائق مبهرة، لم يتوصل الإنسان إليها إلا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، بينما سبق القرآن الكريم إليها قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمان.
[b][i][center]
الجبال أبعد عن صخب الحياة، وأعون على الهدوء والخشوع، وأدعى إلى التأمل والصفاء وخلو الإنسان إلى نفسه وسماعه لصوت الضمير، وحنينه للتأمل الهادئ والذكر والتفكر، فهي محضن من محاضن طهارة الأرواح، ودار للعبادة والصفاء، وقد هبط الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء على جبل مرتفع، وتمت الهجرة من خلال غار ثور على ربوة جبل شاهق، وعلى جبال الطور والجليل وأبي قبيس هتفت أصوات الرسالات، ولأمر ما أهبط أدم على ربوة، وعرضت الأمانة على الجبال، وأرسيت سفينة نوح على الجودي، وقطعت على الجبال طيور إبراهيم عليه السلام، وسخرت الجبال لداود يسبحن معه، ونطق الجبل لموسى، وكان مأوى أهل الكهف، ولحكمة إلهية فإن نسك المسلمين في الحج حول الجبال، فهم يسعون بين الصفا والمروة، ويجتمعون في الوقوف على جبل عرفات.
وقد حفظ الله سبحانه وتعالى توازن الأرض بالجبال الراسية المستقرة، ولهذه الجبال أياد بيضاء في حفظ ماء الشتاء للصيف، وهي سبب الرطوبة الدائمة على وجه الأرض، ومن هذا التدبير عمارة الكون ووجود النبات والحيوان فيه.
ومن منافع الجبال أن الثلج يسقط عليها، فيبقى فيها لمن يحتاج إليه في القيظ، ويذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تتجمع منها الأنهار العظام، وتنبت منها ضروب من النباتات والعقاقير التي ينبت منها في السهول، ويكون فيها الكهوف وتتخذ فيها القلاع والحصون المنيعة، وتنحت منها الحجارة للبناء وفيها المعادن والجواهر.
وقد ربط القرآن الكريم بين رسو الجبال وكونها أوتاداً وبين الأبخرة والسحب ومجاري الأنهار، وانبثاق الينابيع وإدرار القوت والرزق وضمان المنافع، ومن عجيب الإعجاز أن هذه الحقائق قد ذكرت على لسان نبي أمي، وقد قرن القرآن الكريم بين الجبال والمياه، فإذا لم تذكر الأنهار مع الجبال ذكر ما يكون من آثارها من الخصب والنماء والوقت والرزق والمتاع يقول تعالى: “والجبال أرساها، متاعاً لكم ولأنعامكم” (النازعات: 32 33). “وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً” (الرعد: 3). “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون” (الرعد: 19). “وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون، وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم” (الأنبياء: 30 31). “أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي” (النمل: 61). “وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة” (لقمان: 10). “وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها” (فصلت: 10). “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج” (ق: 7). “وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتاً” (المرسلات: 27). “ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً” (النبأ: 6 7).
والجبال مظهر من مظاهر القدرة وآية النعمة وهي تسبح بحمد الله، وتدل على قدرته وحكمته يقول تعالى: “ولقد آتينا داوود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد” (سبأ: 10).
وتأتي هذه الآيات تحمل حشوداً من المعلومات العلمية والحقائق المتتابعة تتابعا علميا دقيقا أبهر العلماء والباحثين، إذ لم يكن يدركها الناس قبل اتساع مداركهم ومعلوماتهم عن هذا الكون
تشبيه علمي دقيق
وقد فطن بعض العلماء المفسرين إلى الإيحاءات العلمية لكلمة “رواسي” التي أخبر بها القرآن الكريم في مواضع كثيرة باعتبارها وصفا للجبال وعلاقاتها باتزان الأرض أثناء حركتها، فالواقع العلمي يشهد بأن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، ولابد أن تكون الجبال الرواسي من أهم عوامل اتزان الأرض وتماثل كتلتها على جانبي محور الدوران.
وقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم بلفظها في نحو تسع وعشرين آية وبوصفها أنها رواسي في نحو تسع آيات ومهمة الجبال في الأرض هي ترسيتها ومنعها من أن تميد بالناس فهي بجذورها المغروسة في باطن الأرض هي التي تحفظ توازن الأرض وتجعلها مستقرة، يستطيع البشر أن يعيشوا فوقها ويمارسوا أنشطتهم ويبنوا منازلهم ومنشآتهم ولولاها لظلت الأرض تميد بالناس وترتج بهم ذات اليمين وذات اليسار.
أما تشبيه الجبال بالأوتاد في القرآن الكريم ففيه إعجاز علمي رائع، وكشف العلم الحديث أن للجبال جذورا تمتد إلى الأغوار العميقة على عمق يصل إلى أكثر من 75 مترا، وغرس الجبال على هذا النحو في الطبقة اللزجة التي تحت طبقة الصخور هو الذي يثبت القارات ويمنعها من أن تطوف أثناء دوران الأرض، فهذه الأوتاد المغروسة تعمل على تثبيت القارات كما يثبت الوتد الخيمة في تراب الأرض، كذلك يعمل بروز الجبال على استقرار سطح الأرض، ولولا الجبال لتشققت الأرض وظهرت بها فجوات وفتحات كثيرة ولثارت البراكين، واضطربت الأرض اضطرابا عظيما وزلزلت زلزالا شديدا، فالجبال حافظة لما تحتها مانعة له من الاضطراب والزلزال والثوران.
وقد أفاض العلماء والمفسرون حول تشبيه الجبال بالأوتاد، هذا التشبيه البليغ الذي دل على أن الجبال من آيات الله في الخلق تماثله أمور يعرفها الناس في “الأوتاد” والوتد هو كتلة من الخشب تثبت بها أركان الخيمة إلى الأرض، أغلبها يكون مدفونا في الأرض، وأقلها يكون ظاهرا فوق السطح، ووجد العلماء أن امتداد الجبال أكبر في داخل الأرض من ارتفاعها فوق مستوى سطح البحر، ولم يجد العلماء المتخصصون وصفا أبلغ من لفظة “وتد” في هذا التشبيه العلمي الدقيق فالجبل وتد حقيقي ووظيفته التثبيت.
ومن أوجه الإعجاز العلمي في آيات الجبال ما يتعلق بنشأتها وتكوينها وسبب اختلاف ألوانها الذي يعود إلى اختلاف المواد التي تكون صخورها، فالجبال البيضاء تتكون أساسا من الطباشير والحجر الجيري، والجبال السوداء يكثر فيها المنجنيز والفحم، والجبال الحمراء غنية بالحديد، وغير ذلك من الجبال النارية تتكون من الجرانيت والبازلت وتحتوي على عروق الحديد والنحاس والذهب ومعادن أخرى تؤدي إلى تعدد ألوان الجبال وأنواعها، ومن دلائل القدرة الإلهية التباين في أحوال الجبال وألونها وأنواعها رغم أنها ترجع أصلا إلى أرض واحدة.
والجبال بجانب أنها الرواسي التي تحفظ توازن الأرض فهي في الوقت نفسه مصدات، تصد الرياح المحملة ببخار الماء فيصعد إلى أعلى فيبرد ويتكاتف فينزل إلى الأرض في صورة الأمطار، ومن الأمطار الغزيرة تتولد الأنهار، ومن هنا لاحظ العلماء أن ذكر الأنهار بعد الرواسي ليس مجرد تعديد لآيات قدرة الله في الكون، وإنما هناك ترابط علمي بينهما.
حركة الجبال
أما قول الله تعالى: “وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون” (النمل: 88) إنما يشير إلى أحد النواميس والسنن والقوانين التي خلقها الله تبارك وتعالى على أعلى درجة من الإتقان، وتلفت أنظار الناس إلى التفكير فيها والتأمل في صنعها وقدرة الله عليها، وتأمر بالنظر إلى الجبال كمعجزة من معجزات الخلق في هذا الكوكب الأرضي، فحركتها ليست حركة ذاتية، وإنما هي حركة تابعة لحركة أكبر هي حركة الأرض كاملة، والجبال أبرز ما على سطح الأرض، وكما أن السحاب لا يتحرك بذاته، بل بحركة وقوة دفع الرياح له، فهكذا الجبال تتحرك بحركة الأرض وهو تشبيه بليغ.
وتشبيه حركة الجبال بحركة السحاب تشبيه علمي لأن السحاب عبارة عن كتل ضخمة من بخار الماء، محمول بهواء متحرك هو الرياح، أي أن السحاب لا يتحرك حركة ذاتية، بل يتحرك حركة مكتسبة من الرياح، والجبال هي الأخرى مكونات أرضية تتحرك بحركة الأرض في الفضاء وهي محمولة على الأرض وتتحرك بحركاتها، تماما مثلما أن السحاب يتحرك محمولا على متن الرياح، ولا يستطيع المرء أن يفهم هذا التشبيه إلا إذا علم يقيناً أن الأرض تتحرك وتدور.
وتوافق حقائق العلم الحديث بعض معاني هذه الآية الكريمة في أن حركة الجبال التي يظنها الإنسان الناظر إليها ثابتة راسية، يمكن فهمها في إطار حركة الأرض وسياحتها في فلكها حول نفسها وحول الشمس وفي الفضاء الكوني الفسيح.
ويمكن فهم حركة الجبال بنوع آخر من الحركة عن طريق تعريتها وتغيير صخورها، ذلك أن الصخور تدور مع الزمن وتتحول من نوع إلى آخر.
تحسبها جامدة
وهكذا يكون ثبات الجبال وجمودها من الأمور غير الحقيقية أي مما يقع في دائرة الظن، ولذلك جاءت اللفظة القرآنية “تحسبها” في التعبير القرآني المعجز لتلائم المستوى العلمي للمسلمين وقت نزول القرآن، فالكل يرى الجبال ثابتة مستقرة ولا يرى لها حركة مطلقا، فلم يثبت أن أحدهم علم بحركة جبل من مكان إلى آخر كما تتيح الكلمة الفرصة لفهم أعمق يتسع لمعنى حركة الجبال بالفعل كما أكدها العلم الحديث.
ومن لطائف التعبير القرآني أيضا أنه قال: “وترى الجبال” ولم يقل “وترى الأرض” لأن الأرض لا يراها الإنسان وهي تمر إلا إذا خرج منها ونظر إليها من الفضاء الخارجي، وقد تحقق له ذلك بعد اختراع سفن الفضاء حديثا، وإنما جاءت “وترى الجبال” لأن الجبال مما يقع في مجال رؤية الإنسان وكشف العلم الحديث عن معنى عظيم لم يعرفه الناس إلا بعد مشوار طويل من البحث عبر مئات السنين.
وهكذا فإن الجبال كما تتكون أي تولد في الأرض وعليها فإنها مثل كل كائن حي، تموت أيضا وينتهي عمرها وتتوقف عن الحركة تماما، أو ينسفها ربنا تبارك وتعالى نسفاً، كلها من أعلاها إلى أسفلها، وكلها من أولها إلى آخرها.
آيات بهرت العلماء بما حوته من إعجاز علمي وحقائق مبهرة، لم يتوصل الإنسان إليها إلا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، بينما سبق القرآن الكريم إليها قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمان.
[b][i][center]